اعداد الشباب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم "أسامة بن زيد" امير الجيش الشاب أصغر قائد عسكري في الإسلام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 8-8-2017
أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن زيد بن امرئ القيس الكلبي الحِبُّ بن الحِبِّ يكنى أبا محمد ويُقال أبو زيد. وأمه أم أيمن حاضنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قال ابن سعد: وُلد أسامة في الإسلام ومات النبي - صلى الله عليه وسلم - وله عشرون سنة.
وقال ابن أبي خيثمة: ثماني عشرة وكان أمَّره على جيش عظيم فمات النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يتوجه فأنفذه أبو بكر رضي الله عنه وكان عمر رضي الله عنه يجله ويكرمه وفضله في العطاء على ولده عبد الله بن عمر واعتزل أسامة الفتن بعد مقتل عثمان رضي الله عنه إلى أن مات في أواخر خلافة معاوية وكان قد سكن المزة من عمل دمشق ثم رجع فسكن وادي القرى ثم نزل إلى المدينة فمات بها بالجرف.
وقال الذهبي: وكان شديد السواد خفيف الروح شاطراً شجاعاً رباه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحبه كثيراً وهو ابن حاضنة النبي- صلى الله عليه وسلم -أم أيمن وكان أبوه أبيض وقد فرح له رسول الله بقول مجزز المدلجي: إن هذه الأقدام بعضها من بعض.
وقالت عائشة رضي الله عنها في شأن المخزومية التي سرقت فقالوا : من يجترىء على رسول الله يكلمه فيها إلا أسامة حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟. وقال ابن عمر أمَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسامة فطعنوا في إمارته فقال: (إن يطعنوا في إمارته فقد طعنوا في إمارة أبيه وايم الله إن كان لخليقاً للإمارة وأن كان لمن أحب الناس إليَّ وإن ابنه هذا لمن أحب الناس إليَّ بعده ). وعن عمر أنه لم يلق أسامة قط إلا قال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت عليَّ أمير. وعن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال: دخلت على فاطمة بنت قيس وقد طلقها زوجها .. فلما حلت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(هل ذكرك أحد) . قالت: نعم معاوية وأبو الجهم فقال: أما أبو الجهم فشديد الخلق وأما معاوية فصعلوك لا مال له ولكن أنكحك أسامة فقلت: أسامة؟! تهاونا بأمر أسامة. ثم قلت: سمعاً وطاعة لله ولرسوله فزوجينه فكرمني الله بأبي زيد وشرفني الله ورفعني به. وعن أسامة بن زيد قال : أدركت رجلاً أنا ورجل من الأنصار فلما شهرنا عليه السيف قال: لا إله إلا الله فلم ننزع عنه حتى قتلناه فلما قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرناه خبره فقال: (يا أسامة من لك بلا إله إلا الله ؟) . فقلنا: يا رسول الله إنما قالها تعوذاً من القتل قال: ( من لك يا أسامة بلا إله إلا الله ) فما زال يرددها حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن وأني أسلمت يومئذ ولم أقتله فقلت: إني أعطي الله عهداً ألا أقتل رجلاً يقول: لا إله إلا الله أبداً فقال النبي _ صلى الله عليه وسلم- : )بعدي يا أسامة قال بعدك ). وله مئة وثمانية عشر حديثاً منها في البخاري ومسلم خمسة عشر وفي البخاري حديث وفي مسلم حديثان. وفضائله كثيرة وأحاديثه شهيرة
خالد بن الوليد .. أبو عبيدة بن الجراح .. عمرو بن العاص .. سعد بن أبي وقاص وغيرهم من كبار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين كانوا عباقرة في قيادة الجيوش الإسلامية .. وكان كل منهم جامعة في هذا الميدان .. ورغم ذلك اختار رسول الله صلي الله عليه وسلم شبل صغير لم يتجاوز العشرين من عمره قيادة جيوش المسلمين لحرب الروم .. فمن هذا الشاب ؟ وكيف كانت علاقته برسول الله صلي الله عليه وسلم ؟ وما قصة الحلة التي أهداها له رسول الله صلي الله عليه وسلم ؟ وما الذي أبكاه في غزوة أحد ؟ وما موقفه مع المرأة المخزومية ؟ وكيف رد رسول الله صلي الله عليه وسلم عليه ؟ وماذا حدث بينه وبين رسول الله صلي الله عليه وسلم حين قتل رجلا قال له لا إله إلا الله ؟ ولماذا اختاره رسول الله صلي الله عليه وسلم لقيادة جيوش المسلمين في وجود كبار الصحابة ؟ وما الهدف من هذا الاختيار ؟ وبماذا رد خليفة المسلمين أبو بكر الصديق رضي الله عنه علي رسالة الأنصار التي نقلها الفاروق عمر رضي الله عنه حول قيادة شاب لجيش المسلمين ؟ وهل أذن للفاروق عمر بالمكوث مع خليفة المسلمين أبو بكر الصديق رضي الله عنهما حينما طلب من أبو بكر ذلك ؟ وهل نجح في مهمته ؟ وكيف شارك في حروب الردة والفتوحات الإسلامية ؟ وهل كان أحد أسباب ردة بعض أهل اليمن ولماذا ؟ ولماذا كان يناديه الفاروق عمر رضي الله عنه بأميري ؟ وماذا حدث بينه وبين عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين ؟ وكيف اعتزل الفتنة بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه ؟ وهل بايع معاوية بن أبي سفيان ؟ وماذا قال معاوية عن أمه وبماذا رد عليه ؟
دعونا نبدأ بقصة أبطالها الفاروق عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما .. والصحابي الجليل الذي نتحدث عنه وهو أسامة بن زيد رضي الله عنه .. جلس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقسّم أموال بيت المال على المسلمين .. وجاء دور عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فأعطاه عمر نصيبه .. ثم جاء دور أسامة بن زيد رضي الله عنه .. فأعطاه عمر ضعف ما أعطى ولده عبد الله .. وهنا خشي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن يكون مكانه في الاسلام آخرا .. وهو الذي يرجو بطاعته .. وبجهاده .. وبزهده .. وبورعه .. أن يكون عند الله من السابقين.. لأنه شعر أن عمر رضي الله عنه يعطي الناس وفق فضلهم وبلائهم في الإسلام .. وهنا سأل أباه قائلا " لقد فضّلت عليّ أسامة .. وقد شهدت مع رسول الله ما لم يشهد " فأجابه عمر : " إن أسامة كان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك .. وأبوه كان أحب الى رسول الله من أبيك - عن هشام بن عروة .. عن أبيه : لما فرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه للناس فرض لأسامة بن زيد رضي الله عنه خمسة آلاف ولابن عمر ألفين .. فقال ابن عمر رضي الله عنهما : فضلت عليَّ أسامة وقد شهدتُ ما لم يشهد .. فقال : إن أسامة كان أحب إلى رسول الله منك .. وأبوه أحب إلى رسول الله من أبيك
أردت أن أبدأ بهذه القصة التي تلقي الضوء علي أسامة بن زيد رضي الله عنه .. وتوضح وضعه بين صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم .. وبتعمق أكثر نسأل من هو أسامة بن زيد والذي لقبه الصحابة بالحب بن الحب .. فمن هو الحب بن الحب .. من هذا الذي بلغ هو وأبوه من قلب الرسول صلي الله عليه وسلم وحبه ما لم يبلغه ابن عمر .. وما لم يبلغه عمر بذاته رضي الله عنهم أجمعين ؟ هو أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلاب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة رضي الله عنه .. والذي ولد رضي الله عنه بمكة عام 613 م قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بسبع سنين .. ولم يدن بغير الإسلام دينا .. ويكنى أسامة : أبا محمد .. وقيل : أبو زيد وقيل : أبو يزيد .. وقيل : أبو خارجة .. وهو مولى رسول الله من أبويه وكان يسمى : حب رسول الله .. وكان لقبه بين الصحابة : الحبّ بن الحبّ .. أبوه زيد بن حارثة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي آثر الرسول على أبيه وأمه وأهله .. والذي وقف به النبي على جموع أصحابه يقول: " أشهدكم أن زيدا هذا ابني .. يرثني وأرثه " وظل اسمه بين المسلمين زيد بن محمد حتى أبطل القرآن الكريم عادة التبنّي .. يُعدّ من المسلمين الأوائل .. الذين حسن إسلامهم .. آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين عمّه حمزة بن عبد المطّلب رضي الله عنهما .. لم يسمّ أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن باسمه غيره .. اشترك مع النبي صلى الله عليه وسلم في حروبه كلّها : بدر .. وأُحد .. والخندق .. وخرج أميراً في سبع سرايا .. جعله النبي صلى الله عليه وسلم أميراً على جيش المسلمين في غزوة مؤتة بعد استشهاد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في الغزوة .. وأمه هي أم أيمن رضي الله عنها .. واسمها أم أيمن بركة بنت ثعلبة الحبشية حاضنة النبي محمد صلي الله عليه وسلم ومربيته .. كانت بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن الحبشية مولاة لعبد الله بن عبد المطلب .. ولما توفي عبد الله ووضعت زوجته آمنة بنت وهب مولودها محمد .. ورثها النبي محمد عن أمه .. أخذته أم أيمن واحتضنته حتى بلغ أشده .. ولما تزوج السيدة خديجة بنت خويلد أعتقها .. فبقيت ملازمة له طيلة حياتها .. فكان النبي محمد صلي الله عليه وسلم يقول عنها: أم أيمن .. أمي بعد أمي - وكان زيد بن حارثة لخديجة فوهبته لرسول الله صلي الله عليه وسلم .. فأعتقه رسول الله صلي الله عليه وسلم .. وزوّجه أم أيمن بعد النبوة .. فولدت له أسامة بن زيد رضي الله عنه .. أسلمت أم أيمن مبكرًا بعد خديجة وعلي وزيد .. وزوّجها النبي محمد صلي الله عليه وسلم لعبيد بن الحارث الخزرجي بمكة .. فولدت له أيمن الذي قُتل يوم حُنين .. هاجرت أم أيمن مع المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة .. ولما مات زوجها .. زوجها النبي محمد صلي الله عليه وسلم لزيد بن حارثة رضي الله عنه .. فولدت له أسامة .. ثم هاجرت أم أيمن إلى المدينة بمفردها من مكة إلى المدينة سيرا على الأقدام .. وليس معها زاد .. خرجت أم أيمن يوم أحد لسقاية الماء .. ومداواة الجرحى .. ولما رأت فرار الرجال في المعركة .. كانت تحثو التراب في وجوه الذين فروا .. وتقول لبعضهم: هاك المغزل وهات سيفك .. ودافعت عن النبي محمد صلي الله عليه وسلم بالسيف لما رأت الناس تفر من حوله.. كما شهدت أم أيمن مع النبي محمد صلي الله عليه وسلم غزوتي خيبر وحُنين .. وروت أم أيمن العديد من الأحاديث عن النبي محمد صلي الله عليه وسلم .. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال في أم أيمن " من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة .. فليتزوج أم أيمن " قال : فتزوجها زيد بن حارثه - اختلف في وفاتها .. فقد قال ابن كثير: توفيت بعد النبي بخمسة أشهر .. وقيل ستة أشهر .. وقيل إنها بقيت بعد قتل عمر بن الخطاب .. وهو قول الذهبي في سير أعلام النبلاء.. وجاء في مستدرك الحاكم: توفيت أم أيمن مولاة رسول الله وحاضنته في أول خلافة عثمان بن عفان .. وصُلِّيَ عليها ودفنت بالبقيع .. هو إذن ابن مسلمين كريمين من أوائل المسلمين سبقا الى الاسلام .. ومن أكثرهم ولاء للرسول وقربا منه .. وكان لأم أيمن دورا في تربية أسامة بن زيد رضي الله عنهم .. فقد كانت رضي الله عنها المرأة المؤمنة التقية الورعة المجاهدة .. وكانت أحد المحاضن التربوية التي تخرَّج فيها أسامة بن زيد رضي الله عنه .. قال ابن حجر في الإصابة : كان النبي صلي الله عليه وسلم يقول عنها : هي أمي بعد أمي .. و بقية أهل بيتي - وقد استشهد زيد بن حارثة رضي الله عنه زوج أم أيمن ووالد أسامة في مُؤْتة .. واستشهد أيمن ابنها وأخو أسامة من أمه في حُنين .. ففي هذه الأسرة المؤمنة المجاهدة نشأ هذا القائد الفارس الفذ وتربى على معاني الجهاد والدفاع عن الإسلام .. وكان نتيجة نشأته رضي الله عنه في أحضان الإسلام .. أن الجاهلية لم تنل منه بوثنيتها ورجسها شيئًا .. وقد شهد أسامة رضي الله عنه لأمه بالفضل وكان شديد البر بها .. فعن محمد بن سيرين قال : بلغت النخلة على عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ألف درهم فعمد أسامة بن زيد رضي الله عنه إلى نخلة فنقرها وأخرج جمّارها فأطعمها أمه فقيل له : ما حملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت ألفًا .. فقال : إن أمي سألتنيه ولا تسألني شيئا أقدر عليه إلا أعطيته - أضف إلي ذلك أنه رضي الله عنه كان قريبًا جدًّا من بيت النبوة .. فالنبي عليه الصلاة والسلام في السنة السابعة قبل الهِجْرة كابد عليه الصلاة والسلام من أذى قُرَيش ما كابد .. وحَمَلَ هُموم الدَّعْوة وأعْباءِها ما أحال حياته إلى سِلْسِلَةٍ مُتواصِلَة من الأحْزان والنوائِب .. وفيما هو في هذه المَشَقَّة والمُكابَدَة وأشَدِّ الضِّيق أشْرَقَتْ في حياته بارقة سُرور .. جاءَهُ المُبَشِّر أنَّ أُمَّ أيْمن وَضَعَتْ غُلاماً فأضاءتْ أساريرُ النبي صلي الله عليه وسلم وأشْرق وَجْهُهُ الكريم .. وابْتَهَجَ قلبه الشريف .. لأنَّ أُمَّ أيمن التي زَوَّجَها لِزَيْد بن حارِثة غُلامه ومُتَبَناه .. أنْجَبَتْ أُمُّ أيْمَن لِزَيْد بن حارِثَة غُلاماً اسمُهُ أُسامة .. أحبه رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد أن أحب والده زيد بن حارثة كحب الحسن والحسين .. و المُسْلِمون حينما أطْلقوا على هذا الغُلام كلمة حِبّ وابن حبّ رسول الله صلي الله عليه وسلم .. ما بالَغوا .. فكان عليه الصلاة والسلام يُحِبُّهُ حُبًّا شديداً وتَغْبِطُهُ الدنيا كلها عليه .. كانَ أُسامة يُقارِبُ في السِنِّ الحسن بن فاطِمَة الزهْراء .. وكان الحَسَن أبيض أزْهر رائِع الحُسْن رضي الله عنه شديد الشَّبَهِ بِجَدِّهِ رسول الله صلي الله عليه وسلم .. وكان أُسامةُ أسْوَدَ البَشَرة .. أفْطَسَ الأنف .. شديد الشَّبَهِ بِأُمِّه الحَبَشِيَّة .. لكنَّ النبي صلوات الله عليه ما كان يُفَرِّقُ بينهما في الحُبِّ حُبُّهُ لِسِبْطِهِ الحَسَن كَحُبِّهِ لابن مُتبناهُ أًسامة .. كان يأخذُ أسامة فَيَضَعُهُ على إحْدى فخذيه ويأخذ الحَسَن ويضَعُهُ على فخذِهِ الأُخْرى .. ثمَّ يَضُمُّهما إلى صَدْرِه .. ويقول : اللهمَّ إني أُحِبُّهُما فَأَحِبَّهُما - عن أَبِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ .. قَالَ : طَرَقْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي بَعْضِ الْحَاجَةِ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى شَيْءٍ لا أَدْرِي مَا هُوَ .. فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ حَاجَتِي .. قُلْتُ : مَا هَذَا الَّذِي أَنْتَ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهِ .. قَالَ : فَكَشَفَهُ فَإِذَا حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ عَلَى وَرِكَيْهِ فَقَالَ : هَذَانِ ابْنَايَ وَابْنَا ابْنَتِيَ .. اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا - أخرجه الترمذي في سننه - تَرْوي بعض الرِّوايات أنَّهُ بلغ من شِدَّة حُبِّ النبي عليه الصلاة والسلام لأُسامة أنَّه عثر يوماً بِعَتَبَةِ الباب فَشُجَّتْ جَبْهَتُهُ وسال الدمُ من جُرْحِهِ .. فأشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى عائِشة رِضْوان الله عليها أنْ تُزيل الدَّم عن جُرْحِهِ فربما أنَّها لم تسْتَجِبْ سريعاً .. أو لم تَطِبْ نفْساً .. لِذلك فقامَ إليه النبي عليه الصلاة والسلام وجعل يُزيلُ الدَّم عن جَبْهَتِه ويُطَيِّبُ خاطِرَهُ بِكَلِماتٍ تفيضُ عُذوبِةً وحناناً - روى الإمام أحمد بسنده عن عَائِشَةَ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَثَرَ بِأُسْكُفَّةِ أَوْ عَتَبَةِ الْبَابِ فَشُجَّ فِي جَبْهَتِهِ .. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِيطِي عَنْهُ أَوْ نَحِّي عَنْهُ الْأَذَى .. قَالَتْ .. فَتَقَذَّرْتُهُ .. قَالَتْ .. فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُصُّهُ ثُمَّ يَمُجُّهُ .. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لَكَسَوْتُهُ وَحَلَّيْتُهُ حَتَّى أُنْفِقَهُ - أهْدى حكيم بن حزام أحد سَراة قُرَيْش لِرَسول الله صلى الله عليه وسلَّم حُلَّةً ثمينةً شراها من اليَمَن بِخَمْسين ديناراً ذَهَبِياً .. فأبى النبي عليه الصلاة والسلام أنْ يقبل هَدِيَّتَهُ لأنه كان يوْمئِذٍ مُشْرِكاً .. أخَذَها منه بِالثَّمن .. لِمَنْ اشْتراها ؟ هو لا يلْبَسُها .. لَبِسَها النبي مرَّةً واحدة ثمَّ خلعها على أُسامة بن زيد .. فكان أُسامة يروحُ بها ويغْدو بين أتْرابِهِ من شُبان الأنْصار والمُهاجِرين .. حُلَّةٌ يرْتَديها مَلِكٌ سابق اشْتراها النبي وقَدَّمَها لأُسامة بن زَيْد .. هذا هو الإنسان الذي لازم دائمًا النبي صلى الله عليه وسلم .. ففي مسند الإمام أحمد عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : كنت رديف رسول الله - أي كان يركب خلفه – بعرفات .. فرفع يديه يدعو .. فمالت به ناقته فسقط خطامها .. قال : فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى - ومن ثَمَّ كان تأثره شديدًا برسول الله صلي الله عليه وسلم .. بل وكان النبي صلي الله عليه وسلم يأمر بحبِّ أسامة بن زيد رضي الله عنه .. فعن عائشة رضي الله عنها قالت : لا ينبغي لأحد أن يبغض أسامة بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كان يحب الله ورسوله فليحب أسامة - عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أسامة بن زيد لأحب الناس إلي أو من أحب الناس إلي وأنا أرجو أن يكون من صالحيكم فاستوصوا به خيرا - ابن سعد : حدثنا يزيد : حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الإفاضة من عرفة من أجل أسامة ينتظره .. فجاء غلام أسود أفطس .. فقال أهل اليمن : إنما جلسنا لهذا .. فلذلك ارتدوا - يعني أيام الردة - وكان نقش خاتم أسامة بن زيد رضي الله عنه - حِبّ رسول الله - ويرْوي رواة التاريخُ أنَّ هذا الصحابيّ الجليل كان ذَكِياًّ جداً .. و شُجاعا ً خارِقَ الشجاعة .. حكيماً يضَعُ الأمور في مواضعها .. عفيفاً يأنفُ من الدنايا .. آلِفاً مألوفاً يُحِبُّهُ الناس .. تَقِياً وَرِعاً يُحِبُّهُ الله .. ففي غزوة الخَنْدَق جاءَ أُسامة إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليشارك في هذه الغزوة .. فَرَقَّ له النبي عليه الصلاة والسلام وأجازَهُ .. أما في أُحد فحين جاءَهُ َرَدَّهُ صلى الله عليه وسلم لِصِغَرِه .. فَبَكى من شِدَّة تأثُّرِهِ .. ويوْمَ حُنَيْن حينما انْهَزَم المُسلمون ثبت أسامة بن زيد مع العباس عمّ رسول الله وأبي سُفْيان بن الحارث بن عَمِّهِ وسِتَّةُ نَفَرٍ آخرين من كِرام الصحابة .. فاسْتطاع النبي عليه الصلاة والسلام بِهَذه الفِئَة المسلمة الصغيرة الباسِلَة أنْ يُغَيِّر هزيمة أصْحابه إلى نصْرٍ وأنْ يَحْمِيَ المسلمين الفارِّين من أنْ يفتِكَ بِهِم المشركون .. و في يومِ مؤتة جاهد أُسامة تحت لِواء أبيه زيد بن حارِثَة رضي الله عنهما .. وسِنُّهُ دون الثامنة عشرة .. فرأى بِعَيْنَيْه مصْرع أبيه فلم يَهِن ولم يتراجع .. وإنما ظلَّ يُقاتلُ تحت لِواء جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه .. حتى صُرِع .. وعلى مرْأى منه .. ثمَّ تحت لِواء عبد الله بن رواحة رضي الله عنه .. حتى لَحِق بِصاحِبَيْه .. ثمَّ تحت لِواء خالد بن الوليد رضي الله عنه .. حتى اسْتَنْقَذ الجيش الصغير من براش الروم .. ثمَّ عاد أُسامة رضي الله عنه إلى المدينة مُحْتَسِباً أباهُ عند الله .. تارِكاً جسده الطاهر على تُخوم الشام راكِباً جواده الذي اسْتُشْهِد عليه .. وقد زوّجه النبي صلوات الله وسلامه عليه وهو ابن خمس عشرة سنة .. وفي هذا الأمر العفة والطهارة وراحة النفس .. والتفرغ لنصرة الإسلام .. فهي تربية عالية من رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فعن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله ما لكِ علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال : ليس لك عليه نفقة فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي .. اعتدّى عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك .. فإذا حللت فآذنينى .. قالت : فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه .. وأما معاوية فصعلوك لا مال له .. انكحي أسامة بن زيد فكرهته .. ثم قال انكحي أسامة فنكحته .. فجعل الله فيه خيرا واغتبطتُّ - والغبطة هي الفرَح والسُّرُور وحُسْن الحال - عن محمد بن أسامة بن زيد .. عن أبيه قال : كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبطيَّة كثيفة أهداها له دحية الكلبي .. فكسوتها امرأتي .. فقال رسول الله : ما لك لا تلبس القبطية؟ قلت: كسوتها امرأتي فقال : مرها فلتجعل تحتها غلالة .. فإني أخاف أن تصف عظامها - روى مسلم بسنده عن ابن عمر قال .. رأى عمر عطاردا التميمي يقيم بالسوق حلة سيراء .. وكان رجلا يغشى الملوك ويصيب منهم .. فقال عمر .. يا رسول الله إني رأيت عطاردا يقيم في السوق حلة سيراء فلو اشتريتها فلبستها لوفود العرب إذا قدموا عليك وأظنه قال ولبستها يوم الجمعة .. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة .. فلما كان بعد ذلك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلل سيراء .. فبعث إلى عمر بحلة .. وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة .. وأعطى علي بن أبي طالب حلة .. وقال شققها خمرا بين نسائك .. قال فجاء عمر بحلته يحملها فقال : يا رسول الله بعثت إلي بهذه وقد قلت بالأمس في حلة عطارد ما قلت .. فقال إني لم أبعث بها إليك لتلبسها ولكني بعثت بها إليك لتصيب بها .. وأما أسامة فراح في حلته فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرًا عرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكر ما صنع .. فقال : يا رسول الله ما تنظر إلي فأنت بعثت إلي بهان فقال : إني لم أبعث إليك لتلبسها .. ولكني بعثت بها إليك لتشققها خمرا بين نسائك –
ومن المواقف التي حدثت بينه وبين رسول الله صلي الله عليه وسلم موقفه مع المرأة المخزومية .. روى البخاري بسنده عن عروة بن الزبير أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه .. قال عروة .. فلما كلمه أسامة فيها .. تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقال أتكلمني في حد من حدود الله ؟ .. قال أسامة .. استغفر لي يا رسول الله .. فلما كان العشي قام رسول الله .. خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال .. أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها - ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت .. قالت عائشة فكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وفي هذا الموقف العظيم يعلّمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بل والأمة كلها درسًا عمليا في غاية الأهمية والخطورة وهو عدم المحاباة أو الكيل بمكيالين .. فكل الناس سواء القوي والضعيف .. الحاكم والمحكوم .. الجميع يُطبّق عليهم شرع الله عز وجل .. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها – الموقف الثاني مع رجل قال لا إله إلا الله فقتله .. ويحكي أسامة بن زيد رضي الله عنه هذا الموقف .. في البخاري بسنده عن أبي ظبيان قال .. سمعت أسامة بن زيد رضي الله عنهما يقول .. بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فكف الأنصاري .. فطعنته برمحي حتى قتلته .. فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ .. قلت كان متعوذا .. فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم - وفي رواية فقلت : أُعطِى الله عهدًا أن لا أقتل رجلا يقول لا إله إلا الله" وقد انعكس أثر هذا الموقف على أسامةَ رضي الله عنه بطول حياته وعرضها وتأثر به تأثرًا شديدًا وظل وفيًا بهذا العهد إلى أن لقي الله سبحانه وتعالى .. ولم يبايع أسامة رضي الله عنه عليًا ولا شهد معه شيئا من حروبه .. وقال له : لو أدخلت يدك في فم تنين لأدخلت يدي معها .. ولكنك قد سمعت ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قتلت ذلك الرجل الذي شهد أن لا إلا الله - وفي البخاري بسنده عن حرملة - مولى أسامة بن زيد – قال : أرسلني أسامة إلى علي وقال : إنه سيسألك الآن فيقول ما خلف صاحبك فقل له : يقول لك : لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه ولكن هذا أمر لم أره - أي لم يكن لي فيه رأي
ومن أهم ملامح شخصيته رضي الله عنه .. الجانب القيادي .. والسبب تربيته على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقد ربّاه النبي صلى الله عليه وسلم على أن يكون قائدًا .. واكتشف عناصر هذه القيادة في شخصيته .. وقد كان رضي الله عنه دقيقًا في تنفيذ أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ويظهر ذلك من مواقفه المتعددة ومنها موقفه أثناء جمعه للزكاة .. وبعد ذلك يظهر موقفه عندما كان قائدا للجيش الذي غزا الروم في الشام .. ومدى الدقة التي التزم بها في تنفيذ تعليمات رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فضلا عن ذلك فقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خليق بالولاية وأنه أهل لها .. وقد نجح رضي الله عنه في مهمته التي انتدب لها أعظم نجاح وأدى دوره على أفضل ما يكون الأداء .. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا .. وأمر عليهم أسامة بن زيد .. فطعن الناس في إمارته .. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلي .. وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده -
وأثبت أسامة رضي الله عنه في قيادة جيشه إلى الشام أنه ذو جَلَدٍ على تحمل المشاق .. وذو شجاعة فائقة .. وعقيدة راسخة .. وعقلية راجحة متبصرة بالأحداث والنتائج .. مما أكسبه سمعة عالية .. وصيتًا وشهرة كبيرة بين الصحابة .. فقدروه وأحبوه .. ولمسوا بأنفسهم مدى إصابة الحق في اختيار النبي صلى الله عليه وسلم له للإماره .. و شهد الرسول الكريم له بالولاية والقيادة .. لما لمسه فيه - رغم حداثة عهده- من عبقرية عسكرية فذة .. جعلته جديرا بقيادة جيش المسلمين .. ولم يكن أتم عامه الثامن عشر بعد .. وكان لهذا البعث أثرًا كبيرًا في تثبيت وتوطيد دعائم الدولة الإسلامية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وارتداد الكثير من القبائل .. وكان من شأنه أن ألقى الفزع والهلع في قلوب القبائل العربية التي مرَّ عليها في شمال الجزيرة العربية .. وكانوا يقولون : لو لم يكن للمسلمين قوة تحمى المدينة وما حولها ما بعثوا جيشًا إلى هذه المسافات البعيدة حتى وصل إلى تخوم الروم .. ومن أجل ذلك كانت حركة الردة في تلك المناطق أضعف منها بكثير في أي المناطق الأخرى .. نأتي الىن إلي قيادة أسامة بن زيد رضي الله عنه لجيوش المسلمين لقتال الروم بالتفصيل .. ففي شهر صفر سنة 11 هجرية .. جهز النبي صلى الله عليه وسلم .. جيشا كبيرا كان فيهم أبا بكرٍ وعمر وسعْد بن أبي وقاصٍّ وأبا عُبَيْدة بن الجراح وغيْرهم من جِلَّة الصحابة .. وأمَّر عليهم أسامة بن زيد رضي الله عنه .. وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين .. فخرج الجيش ونزلوا الجرف على بعد فرسخ من المدينة بسبب مرض النبي صلى الله عليه وسلم .. وبدأت الأخبار المقلقة ترد من المدينة عن اشتداد مرض النبي صلى الله عليه وسلم .. فاضطر الجيش إلى التريث حتى يعرفوا ما يقضي الله به .. قال الواقدي في المغازي : لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه ووجد عليهم وجدا شديدا .. فلما كان يوم الإثنين لأربع ليالٍ بقين من صفر سنة إحدى عشرة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم .. وأمرهم بالانكماش في غزوهم .. فتفرق المسلمون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم مجدون في الجهاد .. فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر دعا أسامة بن زيد فقال : يا أسامة سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي إلى مقتل أبيك .. فأوطئهم الخيل .. فقد وليتك على هذا الجيش - فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر بدي برسول الله صلى الله عليه وسلم فصدع وحمّ .. فلما أصبح يوم الخميس لليلة بقيت من صفر عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده لواء ثم قال : يا أسامة اغز باسم الله في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغدروا .. ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا تمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم - ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة : امض على اسم الله - فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي .. فخرج به إلى بيت أسامة رضي الله عنه .. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة فعسكر بالجرف وضرب عسكره في سقاية سليمان ..
وقال رجال عدة من المهاجرين والأنصار قتادة بن النعمان .. وسلمة بن أسلم بن حريش .. وكان أشدهم في ذلك قولا عياش بن أبي ربيعة : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟ فكثرت القالة في ذلك فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض ذلك القول فرده على من تكلم به .. وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقول من قال .. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا .. فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة .. ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد يا أيها الناس .. فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة بن زيد ؟ والله لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي - وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .. أنفذوا بعث أسامة - ودخلت أم أيمن فقالت أي رسول الله .. لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل فإن أسامة إن خرج على حالته هذه لم ينتفع بنفسه.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنفذوا بعث أسامة - فمضى الناس إلى المعسكر فباتوا ليلة الأحد ونزل أسامة يوم الأحد .. فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وجعل يرفع يده إلى السماء ثم يصبها على أسامة .. قال فأعرف أنه كان يدعو لي .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد فطعن الناس في إمارته فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل وايم الله إن كان لخليقا للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إليَّ .. وإن هذا لمن أحب الناس إليَّ بعده - .. وشاء الله تبارك وتعالى أن يلحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى بعد ذلك بأيام .. ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم .. عظم الخطب .. واشتد الحال .. وظهر النفاق بالمدينة .. وارتد من ارتد من أحياء العرب حول المدينة .. وامتنع آخرون من أداء الزكاة .. وصارت الجمعة لا تقام في بلد سوى مكة والمدينة .. فلما وقعت هذه الأمور أشار كثير من الناس على سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ألا ينفذ جيش أسامة للحاجة إليه فيما هو أهم .. فامتنع أبو بكر الصديق رضي الله عنه من ذلك .. وأبى أشد الإباء .. وقال : والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولو أن الطير تخطفنا والسباع من حول المدينة .. ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزن جيش أسامة -
ونلاحظ أن الصحابة الكرام بعـد وفـاة النبي صلى الله عليه وسلم وصدر خلافة الصديق رضي الله عنـه عاشوا في شدة عظيمة .. لأن كثـيرا من الأمة قـد انقلبت على أعقابها .. فمنهم من ارتد بالكلية .. ومنهم من منع الزكـاة .. فاشرأبت اليهودية والنصرانية ونجم النفاق .. إلا أن ذلك لم يثن الدعاة المخلصين ولم يفت في عضدهم .. بل عرفوا كيف يتعـاملون مـع هذه الفتنة .. وأدركوا بيقين تـام أن الله تعـالى ناصر الدعوة ومطفئ نار الفتنة .. فعملوا جـاهدين وضاعفوا الجهود بدلا مـن الاستسـلام .. واستطاعوا بفضل الله أولا ثم باجتهادهم ثانيا أن يقضوا علـى الفتنة .. ثم بعد ذلك نشروا الدعوة في البلاد المجـاورة وقضوا على القوى العظمى الكافرة في زمانهم .. وهذا ما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه بتنفيذ جيـش أسامة بن زيد رضي الله عنهما .. قـالت عائشة رضي الله عنهـا - ت : 57 أو 58 هـ - : لمـا بويـع أبو بكـر .. وجمـع الله الأنصـار عليـه ارتدت العرب قاطبة .. ونجـم النفاق واشرأبت اليهودية والنصرانية .. والمسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشـاتية لفقد نبيهـم صلى الله عليه وسلم وقلتهـم وكثرة عدوهم .. فقال أبو بكر : ليتم بعث أسامة .. ولينفذ جيش أسامة .. فقال لـه من حوله : إن جيش أسامة هو معظم المسلمين عندك .. وقد ارتدت العرب .. ولا ينبغي لك أن تفرق جماعة المسلمين .. فلا بد أن يكونوا عندك .. فقال أبو بكـر : والله لا أحل لواء عقده رسـول الله صلى الله عليه وسلم .. والذي نفسي بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولو لم يبق في المدينة أحد غيري لأنفذته
وقال أيضا : أنا أوقف وأحبس جيشـا بعثه رسـول الله صلى الله عليه وسلم .. أكون إذًا اجترأت على أمر عظيم .. والذي نفسي بيده لأن تميل علي العرب أحب إلى من أن أحبس وأوقـف جيشـا بعثه رسـول الله صلى الله عليه وسلم .. امض يا أسامة في جيشك الذي أمرت به .. ثم اغـز من حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين وعلى أهل مؤتة .. واعلـم أن الله سيكفينا من وراءك .. وفي رواية أنه قال : والله الذي لا إلـه غيره لو جـرت الكـلاب أرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رددت جيشـا وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ..ولا حللت لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم - بهذا الحرص التام على تنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف الصديق رضي الله عنه أمام من أشار عليه ببقاء الجيش في المدينـة خوفـا على الدعوة في معقلها الأساس .. وأمر أسامة بتنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لـه .. وقال لعمر رضي الله عنه بعدما طلب منه تغيير أسـامة لصغر سنه : ثكلتك أمك يا ابن الخطاب .. أؤمر غير أمير رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ثم نهض بنفسه إلى الجُرْف .. فاستعرض جيش أسامة .. و أوصاهم وأمرهـم بالمسير .. وبدأ المسـير .. والصديق رضي الله عنه معهـم يسـير ماشـيا وأسامة راكبا .. ولما يبلغ العشرين .. فقال أسامة : يا خليفة رسول الله .. إما أن تركـب وإما أن أنزل .. فقال : والله لست بنـازل ولسـت براكب .. وما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة - ولما كان عمر رضي الله عنه جنديا في جيش أسامة .. وكـان أبو بكر بحاجة إليه في تسيير أمور المسلمين .. فقد استأذن أبو بكر أسامة في أن يبقي عنده عمر .. فقال له : إن رأيـت أن تبقي عمر عندي في المدينة ؟ .. فوافق أسامة على ذلك .. ولهذا كان عمر لا يلقى أسامة بعد ذلك إلا قال : السلام عليك أيها الأمير - وسار أسامة رضي الله عنه في جيشه حتى وصل تخوم البلقاء .. فأغار على العرب هناك وهم أعوان الروم .. فقتل منهم وسبى آخريـن ورجع إلى المدينة .. ولم يفقد أحدا من المسلمين بعد أن حقق ما طلبه الرسول صلى الله عليه وسلم منه .. واستغرق ذلك أربعين يوما .. وقد أثمر هذا الموقف الذي وقفه الصديق رضي الله عنه للدعوة ثمرة عظيمة .. لأن أسامة رضي الله عنه لما سار بجيشـه صاروا كلما مروا بقبيلة من العرب قال أفرادها : لولا أن المؤمنين أقوياء في المدينة لما بخرج من عندهم هذا الجيش .. فخافت تلك القبائل .. وتخلت عن مواجهة المسلمين في المدينة .. وإن هذا ليعطينا دلالة على أن من أطاع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعض على سنته بالنواجذ .. فإن الله جل وعلا ينصره ويمنحه العز والشرف .. إذ أن الصديق رضي الله عنه عندما أصر على تنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم رغم تدهور الأحوال وتغيرها .. وانقاد الصحابة الكرام لرأيه .. وتمسكوا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم .. وبذلوا المستطاع لتحقيقه نصرهم الله تعالى .. ورزقهم الغنائم .. وألقى في قلوب الناس هيبتهم .. وكف عنهم كيد الأعداء وشرهم .. وإن هذا الموقف لصورة تطبيقية لقول الله عز وجل } وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا {.. يقول أُسامة رضي الله عنه عن هذه الواقعة .. لما اشْتَدَّ المرضُ على النبي الصلاة والسلام تَوَقَّفَ الجَيْشُ عن المَسير اِنْتِظاراً لما تُسْفِرُ عنه حال النبي عليه الصلاة والسلام .. ولما ثقُلَ على نبِيِّ المرضُ .. أقْبَلْتُ عليه وأقْبَلَ الناسُ معي فَدَخَلْتُ عليه فَوَجَدْتُهُ قد صَمَتَ فما يتكلَّمُ من وطْأةِ الداء .. فَجَعَلَ عليه الصلاة والسلام يرْفَعُ يدَهُ إلى السماء ثمَّ يضَعُها عليّ فَعَرَفْتُ أنَّهُ يدْعو لي .. وما لبِثَ عليه الصلاة والسلام أنْ فارق الحياة وتَمَّتْ البَيْعَة لأبي بكْرٍ .. وأوَّلُ قرارٍ اتَّخَذَهُ هذا الصحابيّ الجليل خليفة رسول الله أنَّهُ أمر بإنْفـاذ بعْث أُسامة .. لكنَّ الأنْصار رأوا أنْ يُؤخَّر هذا البعْثُ وطَلَبَوا من عمر بن الخطاب أنْ يُكَلِّم أبا بكرٍ .. وقالوا له : فإنْ أبى إلا المُضِيّ فأبْلِغْهُ عنا أنْ يُوَلِّي أمْرنا رَجُلاً أقْدَمَ سِناًّ من أُسامة .. هذا الصِّديق اللطيف النَّاعِم الرقيق الحليم .. ما إنْ سَمِعَ الصِّديق من عمر رسالة الأنصار حتى وَثَبَ وكان جالِساً .. وأخذ بِلِحْيَةِ الفاروق وهَزَّها حتى كادَت تنْخَلِع .. وقال مُغْضَباً : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا ابن الخطاب اِسْتَعْمَلَهُ رسول الله وتأمُرُني أنْ أنْزِعَهُ .. والله لا يكون هذا أبداً .. جبارٌ في الجاهِلِيَّة خَوَّارٌ في الإسلام – أما عن موقف الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد فسره بعض كُتاب السيرة المُوَفَّقين .. قالوا : هذا المَوْقِف من سيِّدنا عمر ليس مَوْقِفُهُ لكن أراد هذا الصحابيُّ الجليل أنْ ينْقُلَ لِخَليفة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم رأْيَ الأنصار .. ولما رجع عمر إلى الناس سألوه عما حدث .. فقال : اُمْضوا .. ثَكِلَتْكُم أُمُّهاتكم .. فقد لقيتُ ما لقيتُ في سبيلِكم من خليفة رسول الله – وكان عمر إذا لَقِيَ أُسامة بن زيد الشاب الناشئ يقول له : مَرْحَباً بأميري .. فإذا رأى أحداً يعْجَبُ من كلامه .. يقول : لقد أمَّرَهُ علي رسول الله صلى الله عليه وسلَّم - ومن كلمات أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأسامة رضي الله عنه سيِّدُنا أُسامة وهو يودعه قال له : أسْتَوْدِعُ الله دينك وأمانتك وخواتيمَ عَمَلِكَ .. وأوصيكَ بِإِنْفاذ ما أمرك به رسول الله ثمَّ مال عليه .. وقال : إنْ رأيْتَ أنْ تُعينني بِعُمَر فأذن له بالبقاء معي .. فأذِنَ أُسامةُ لِعُمَر .. هذا هو نِظامُ التَسَلْسُل .. ومضى أسامةُ بالجَيْش ونفَّذَ كلَّ ما أمــره به رسول الله صلى الله عليه وسلَّم .. وأَوْطَأ خَيْلَ المُسلمين تُخوم البلْقاء .. وقَلْعَةَ الداروم .. ونزع هَيْبَة الروم من قُلوب المُسلمين .. ومهَّد الطريق أمامهم لِفَتْحِ دِيار الشام ومِصـْر .. والشمال الإفْريقي كُلِّه حتى بحْر الظلمات .. ثمَّ عاد أُسامة مُمْتَطِياً صَهْوَة الجواد الذي اسْتُشْهِد عليه أبوه حامِلاً من الغنائِم ما زاد على تقْدير المُقَدِّرين .. حتى قيل : إنَّهُ ما رُئِيَ جيْشٌ أسلم وأغْنَمُ من جَيْش أُسامة بن زيد .. فالنبي عليه الصلاة والسلام كانت نظْرته في مَحَلِّها .. وظَلَّ أُسامة بن زَيْد ما امْتَدَّتْ به الحياة مَوْضِعَ إجْلال المُسْلمين وحُبِّهِم وفاءً لِرَسول الله صلى الله عليه وسلَّم .. أما موقف هرقل .. فبينما كان امبراطور الروم هرقل يتلقى خبر وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم تلقى في نفس الوقت خبر الجيش الذي يغير على تخوم الشام بقيادة أسامة بن زيد .. فحيّره أن يكون المسلمون من القوة بحيث لا يؤثر موت رسولهم في خططهم ومقدرتهم .. وهكذا انكمش الروم .. ولم يعودوا يتخذون من حدود الشام نقط وثوب على مهد الاسلام في الجزيرة العربية .. وعاد الجيش بلا ضحايا .. وقال عنه المسلمون يومئذ : ما رأينا جيشا أسلم من جيش أسامة
وعندما نشبت الفتنة بين علي ومعاوية التزم أسامة حيادا مطلقا .. كان يحب عليا كثيرا ويبصر الحق بجانبه .. ولكن كيف يقتل من قال لا إله إلا الله .. وقد لامه الرسول صلي الله عليه وسلم في ذلك سابقا .. فبعث إلى علي يقول له : إنك لو كنت في شدق الأسد .. لأحببت أن أدخل معك فيه .. ولكن هذا أمر لم أره - ولزم داره طوال هذا النزاع .. وحين جاءه البعض يناقشونه في موقفه قال لهم : لا أقاتل أحدا يقول لا إله إلا الله أبدا .. فقال أحدهم له : ألم يقل الله : }وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله { فأجاب أسامة : } أولئك هم المشركون ولقد قاتلناهم حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله ...وقد كان لأسامة بن زيد رضي الله عنه مواقف مع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين .. فعن خلاد بن السائب رضي الله عنه قال : دخلت على أسامة بن زيد رضي الله عنه فمدحني في وجهي .. فقال : إنه حملني أن أمدحك في وجهك أني سمعت رسول الله يقول : إذا مُدح المؤمن في وجهه ربا الإيمان في قلبه - رواه الطبراني .. وفيه ابن لهيعة .. وبقية رجاله وثقوا – ومع التابعي مروان بن الحكم .. عن عبيد الله بن عبد الله قال : رأيت أسامة بن زيد يصلي عند قبر رسول الله .. فخرج مروان بن الحكم فقال : تصلي إلى قبره ؟ فقال : إني أحبه .. فقال له قولاً قبيحًا ثم أدبر .. فانصرف أسامة رضي الله عنه فقال : يا مروان .. إنك آذيتني .. وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يبغض الفاحش المتفحش .. وإنك فاحش متفحش - وعن مولى أسامة بن زيد .. أنه انطلق مع أسامة إلى وادي القرى في طلب مال له .. فكان يصوم يوم الإثنين ويوم الخميس .. فقال له مولاه : لمَ تصوم يوم الإثنين ويوم الخميس وأنت شيخ كبير؟ فقال : إن نبي الله كان يصوم يوم الإثنين ويوم الخميس .. وسئل عن ذلك فقال : إن أعمال العباد تعرض يوم الإثنين ويوم الخميس - وله موقف رضي الله عنه مع معاوية .. ابن أبي الدنيا : أخبرنا عمرو بن بكير .. عن أبي عبد الرحمن الطائي .. قال : قدم أسامة على معاوية .. فأجلسه معه .. وألطفه .. فمد رجله .. فقال معاوية : يرحم الله أم أيمن .. كأني أنظر إلى ظنبوب ساقها بمكة - كأنه ظنبوب نعامة خرجاء - فقال : فعل الله بك يا معاوية .. هي - والله- خير منك .. قال : يقول معاوية : اللهم غفرا -
الظنبوب : هو العظم الظاهر .. والخرجاء : فيها بياض وسواد – اعتزل أسامة بن زيد الفتن بعد مقتل عثمان بن عفان .. وعِندما قتل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب عن الخلافة لِمعاوية بن أبي سفيان .. عندئذٍ بايع أُسامة معاوية مع عدد كبير من الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة .. له في مسند بقي مائة وثمانية عشر حديثا .. منها في البخاري و مسلم خمسة عشر .. وفي البخاري حديث .. وفي مسلم حديثان .. وقد روى عنه أحاديثَ النبي ثلاثون من الصحابة والتابعين .. وممن روى عنه من الصحابة سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهم أجمعين .. وممن روى عنه من التابعين سعيد بن المسيب .. وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص .. وعامر بن شرحبيل .. وشقيق بن سلمة وغيرهم .. ومن الأحاديث التي رواها عن رسول الله صلي الله عليه وسلم .. روى البخاري بسنده عن أسامة بن زيد رضي الله عنه .. عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء - وروى مسلم في صحيحه عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يرث المسلم الكافر .. ولا يرث الكافر المسلم –
وكان قد سكن المزة غرب دمشق ثم رجع فسكن وادي القرى ثم نزل إلى المدينة المنورة فمات بِها بالجرف وصحح ابن عبد البر أنه مات سنة 54 هـ .. وقيل ظل حياً حتى أواخر خلافة معاوية وقيل سنة 61 هجرية .. قال الزهري .. مات أسامة بالجرف .. وعن المقبري قال : شهدت جنازة أسامة .. فقال ابن عمر : عجلوا بحب رسول الله قبل أن تطلع الشمس - قال ابن سعد : مات في آخر خلافة معاوية .. وعن الزهري قال كان أسامة بن زيد يخاطَب بالأمير حتى مات يقولون : بعثه رسول الله صلى ال
تعليقات
إرسال تعليق